وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ،
ــ
[مغني المحتاج]
لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَفِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً» فَضَعِيفٌ وَخَطَأٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي لِمَنْ رَوَاهُ أَنْ يَسْتَحِيَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ.
وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ» . وَلِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَلِلْأَمْوَاتِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ كَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣] [التَّوْبَةَ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ تُكْتَسَبُ فَرُغِّبَ فِيهَا وَلَا كَذَلِكَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ (وَهُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، ضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ (مَنْ مَاتَ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا (فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَوْ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا حَرْبِيِّينَ أَمْ مُرْتَدِّينَ أَمْ أَهْلَ ذِمَّةٍ، قَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَمْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ، أَمْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ وَهْدَةٍ، أَمْ رَفَسَتْهُ دَابَّتُهُ فَمَاتَ، أَمْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بَاغٍ اسْتَعَانَ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَمَا شَمِلَهُ قِتَالُ الْكُفَّارِ، أَمْ قَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَالَ انْهِزَامِهِمْ انْهِزَامًا كُلِّيًّا بِأَنْ تَبِعَهُمْ فَكَرُّوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْ اتِّبَاعُهُ لَهُمْ لِاسْتِئْصَالِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قُتِلَ فِي حَالِ الْقِتَالِ، أَمْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا، أَمْ انْكَشَفَتْ الْحَرْبُ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَمَا جَزَمَا بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الشَّهَادَةِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ يَمُوتُ بِالْمُعْتَرَكِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يُعْمَلُ بِهِ وَيُتْرَكُ الْأَصْلُ كَمَا إذَا رَأَيْنَا ظَبْيَةً تَبُولُ فِي الْمَاءِ وَرَأَيْنَاهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ (فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ الْقِتَالِ بِجِرَاحَةٍ فِيهِ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ؛ لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي الْقِتَالِ.
أَمَّا لَوْ انْقَضَى الْقِتَالُ وَحَرَكَةُ الْمَجْرُوحِ فِيهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَشَهِيدٌ قَطْعًا أَوْ تُوُقِّعَتْ حَيَاتُهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا (أَوْ) مَاتَ عَادِلٌ (فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ) لَهُ (فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ قَتِيلُ مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ الْمَقْتُولَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، وَقَدْ غَسَّلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ. نَعَمْ لَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِكُفَّارٍ فَقَتَلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَقْتُولِ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يُغَسِّلْ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ.
أَمَّا إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute