للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ،

ــ

[مغني المحتاج]

الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ جَزْمًا، فَقَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ كَمَوْتِهِ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَغَيْرُ شَهِيدٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، خَالَفْنَا فِيمَا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِيهِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ.

فَائِدَةٌ الشُّهَدَاءُ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ ثَوَابًا خَاصًّا، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ شَهِدَا لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُبْعَثُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ وَهُوَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا، وَمِنْهَا أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ. وَالثَّانِي: شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا، أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً أَوْ نَحْوَهُ. وَالثَّالِثُ: شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَقَطْ كَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَالْمَبْطُونِ إذَا مَاتَ بِالْبَطْنِ، وَالْمَطْعُونِ إذَا مَاتَ بِالطَّاعُونِ، وَالْغَرِيقِ إذَا مَاتَ بِالْغَرَقِ، وَالْغَرِيبِ إذَا مَاتَ فِي الْغُرْبَةِ، وَطَالِبِ الْعِلْمِ إذَا مَاتَ عَلَى طَلَبِهِ، أَوْ مَاتَ عِشْقًا أَوْ بِالطَّلْقِ أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ الْغَرِيبِ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ، وَمِنْ الْغَرِيقِ الْعَاصِيَ بِرُكُوبِهِ الْبَحْرَ كَأَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَوْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ خَمْرٍ، وَمِنْ الْمَيِّتَةِ بِالطَّلْقِ الْحَامِلَ بِزِنًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ، وَفِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ. نَعَمْ الْمَيِّتُ عِشْقًا شَرْطُهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ لِخَبَرِ «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» (١) وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ يُتَصَوَّرُ إبَاحَةُ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا كَزَوْجَةِ الْمَلِكِ وَإِلَّا فَعِشْقُ الْمُرْدِ مَعْصِيَةٌ، فَكَيْفَ تَحْصُلُ بِهَا دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِمَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ (وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَحَائِضٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ) كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَمْ يُغَسِّلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا؛ وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ، إذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَحْرُمُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فَلَمْ تُجْزِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ.

وَالثَّانِي: يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي غُسْلٍ وَجَبَ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا الْغُسْلُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ كَغُسْلِ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُصَلَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>