للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعُوضَةٌ، أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ، أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ.

وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ أَوْ مُتَنَجِّسًا أَفْطَرَ.

وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

بَعُوضَةٌ أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ بِإِطْبَاقِ الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ التُّرَابُ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَشَبَّهُوهُ بِالْخِلَافِ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحِلَّ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ مَقْعَدَةُ الْمَبْسُورِ فَرَدَّهَا قَصْدًا أَنَّهُ يُفْطِرُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ طُهْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ.

فَائِدَةٌ: جَمَعَ الْمُصَنِّفُ الذُّبَابَ وَأَفْرَدَ الْبَعُوضَةَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: ٧٣] ، وَقَالَ تَعَالَى {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: ٢٦] .

فَائِدَةٌ أُخْرَى: الْغَرْبَلَةُ إدَارَةُ الْحَبِّ فِي الْغِرْبَالِ لِيُنْتَقَى خَبِيثُهُ وَيَبْقَى طَيِّبُهُ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَنْ غَرْبَلَ النَّاسَ نَخَلُوهُ: أَيْ مَنْ فَتَّشَ عَنْ أُمُورِهِمْ وَأُصُولِهِمْ جَعَلُوهُ نُخَالَةً. وَفِي الْحَدِيثِ «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ تُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً» أَيْ يَذْهَبُ خِيَارُهُمْ وَيَبْقَى أَرَاذِلُهُمْ.

(وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ) بِالْإِجْمَاعِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَمَعْدِنُهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ قَرَارُهُ، وَمِنْهُ يَنْبُعُ، وَهُوَ الْحَنَكُ الْأَسْفَلُ تَحْتَ اللِّسَانِ (فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ) وَلَوْ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ (ثُمَّ رَدَّهُ) إلَيْهِ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ (وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ) كَمَا يُعْتَادُ عِنْدَ الْفَتْلِ (وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ) وَابْتَلَعَهَا (أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ) الطَّاهِرِ: كَأَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ (أَوْ) ابْتَلَعَهُ (مُتَنَجِّسًا) كَمَنْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ وَإِنْ ابْيَضَّ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ صَافِيًا (أَفْطَرَ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا الْأُولَى؛ فَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَعْدِنِهِ وَصَارَ كَالْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ.

نَعَمْ لَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْفَمِ، فَإِنَّ اللِّسَانَ كَدَاخِلِ الْفَمِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ الْفِطْرِ.

قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَلَوْ غَسَلَ السِّوَاكَ وَاسْتَاكَ بِهِ: أَيْ مَعَ بَقَاءِ الرُّطُوبَةِ فَكَالْخَيْطِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ الْمَعْدِنَ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ؛ فَلِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الرِّيقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَنْ عَمَّتْ بَلْوَاهُ بِدَمِ لِثَتِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ غَالِبًا أَنَّهُ يُسَامَحُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَيَكْفِي بَصْقُهُ الدَّمَ، وَيُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ اهـ. وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ.

(وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ) وَلَوْ بِنَحْوِ مَصْطَكَى (فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَعْدِنِهِ فَهُوَ كَابْتِلَاعِهِ مُتَفَرِّقًا مِنْ مَعْدِنِهِ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ هَيِّنٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: جَمَعَهُ عَمَّا لَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>