وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُبَالَغَةِ؛ إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحُوِّلَ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَالْمَعْنَى: احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» (١) وَالْمَلَاعِنُ: مَوَاضِعُ اللَّعْنِ، وَالْمَوَارِدُ: طُرُقُ الْمَاءِ، وَالتَّخَلِّي: التَّغَوُّطُ، وَكَذَا الْبِرَازُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ، وَصَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَرَاهَتُهُ، وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ. وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ: أَعْلَاهُ، وَقِيلَ: صَدْرُهُ، وَقِيلَ: مَا بَرَزَ مِنْهُ. أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ» (٢) : أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى، فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» (٣) قِيلَ: إنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ، فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ. وَقِيلَ: فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ. وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ: أَنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الشِّتَاءِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شَرْبَةِ دَوَاءٍ (وَ) لَا (تَحْتَ) شَجَرَةٍ (مُثْمِرَةٍ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا، وَفِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُّهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ؛ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهُ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ إلَّا فِي الْمَكَانِ الصُّلْبِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَيَخْتَصَّانِ بِالْبَوْلِ، بَلْ يَنْبَغِي فِيهِمَا التَّفْصِيلُ فِي الْغَائِطِ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ، فَيَكُونُ الْمَائِعُ كَالْبَوْلِ (وَلَا يَتَكَلَّمُ) حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَدْ يَجِبُ لِخَبَرِ «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» (٤) ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ: يَأْتِيَانِ. وَالْمَقْتُ: الْبُغْضُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ: أَيْ بِكَلَامٍ يَسْمَعُ بِهِ نَفْسَهُ، إذْ لَا يُكْرَهُ الْهَمْسُ وَلَا التَّنَحْنُحُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ ابْنِ كَجٍّ (٥) إنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute