وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ، وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: بِسْمِ اللَّهِ
ــ
[مغني المحتاج]
لَا تَجُوزُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ: أَيْ فَتُكْرَهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتِّبْيَانِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَضَعِيفٌ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: اللَّائِقُ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْعُ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ، وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهُ، وَلَا إلَى السَّمَاءِ، وَلَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ، وَلَا يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا (وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ. أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الرَّشَاشُ فَيُنَجِّسَهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ، وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، بَلْ قَدْ يَجِبُ حَيْثُ لَا مَاءَ، وَلَوْ انْتَقَلَ لَتَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ بِالْوُضُوءِ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي لَهُمَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» (١) وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَاءُ، وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا لَهُ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تَرَتُّبِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ اهـ.
وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَحْرُمُ عَلَى قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ وَبِمَسْجِدٍ، وَلَوْ فِي إنَاءٍ تَنْزِيهًا لَهُمَا عَنْ ذَلِكَ (وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ) نَدْبًا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِنَحْوِ تَنَحْنُحٍ وَمَشْيٍ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ: سَبْعُونَ خُطْوَةً وَنَتْرِ ذَكَرٍ.
وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيَنْتُرَهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَصِّلَ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» (٢) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ، وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُكْرَهُ حَشْوُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِنَحْوِ قُطْنٍ، وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ فِي مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا فِي الْكَبِدِ.
فَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ الْكَرَاهَةِ وُجُودُ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ حَيْثُ وُجِدَ النَّهْيُ وُجِدَتْ الْكَرَاهَةُ لَا أَنَّهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ بِلَا نَهْيٍ مَخْصُوصٍ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ إنَاءً لِلْبَوْلِ لَيْلًا، قَالَهُ فِي الْعُبَابِ (وَيَقُولُ) نَدْبًا (عِنْدَ) إرَادَةِ (دُخُولِهِ) أَوْ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ (بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ أَتَحَصَّنُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute