للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا.

ــ

[مغني المحتاج]

فَكَالْحَاصِلِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ (وَ) عَنْ (مُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) لِئَلَّا يُضَيَّعُوا. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُؤْنَةِ يَشْمَلُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى وَإِعْفَافَ الْأَبِ، وَكَذَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ حَيْثُ احْتَاجَ إلَيْهَا الْقَرِيبُ وَالْمَمْلُوكُ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالنَّفَقَةِ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ دُونَ الْمُؤْنَةِ فَتَجِبُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ قَدْ يُوهِمُ جَوَازَ الْحَجِّ عِنْدَ فَقْدِ مُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُمْ. قَالَهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ مَا سَبَقَ جَمِيعِهِ (فَاضِلًا) أَيْضًا (عَنْ مَسْكَنِهِ) اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ (وَ) عَنْ (عَبْدٍ) يَلِيقُ بِهِ وَ (يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ) لِمَنْصِبٍ أَوْ عَجْزٍ كَمَا يُبْقَيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تَقْدِيرٌ صَرَفَهُ إلَيْهِمَا مُكِّنَ مِنْهُ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُبَاعَانِ قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ سُكْنَى مِثْلِهِ وَالْعَبْدُ يَلِيقُ بِهِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَلَوْ غَيْرَ نَفِيسَةٍ وَوَفَى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ، أَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُمَا لَوَفَى التَّفَاوُتُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ جَزْمًا وَلَوْ كَانَا مَأْلُوفَيْنِ، بِخِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّمَتُّعِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ تَنْقَطِعُ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِلْمُتَفَقِّهَةِ السَّاكِنِينَ بِبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالصُّوفِيَّةِ بِالرُّبُطِ وَنَحْوِهِمَا اهـ.

وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ غَنِيًّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُنَاكَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاجَةِ حَاجَةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَاجَتَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ فَاضِلًا أَيْضًا عَنْ كُتُبِ الْعَالِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ تَصْنِيفٍ وَاحِدٍ نُسْخَتَانِ فَيَبِيعَ إحْدَاهُمَا، وَحُكْمُ خَيْلِ الْجُنْدِيِّ وَسِلَاحِهِ كَكُتُبِ الْفَقِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَهَذَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْفِطْرَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِخَائِفِ الْعَنَتِ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ وَلِغَيْرِهِ تَقْدِيمُ النُّسُكِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا) أَيْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَيَلْزَمُ مَنْ لَهُ مُسْتَغِلَّاتٌ يَحْصُلُ مِنْهَا نَفَقَتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَا ذُكِرَ فِي دَيْنِهِ، وَيُخَالِفُ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>