وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا.
،
ــ
[مغني المحتاج]
الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، وَيَنْبَغِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ، إذْ لَا يَحْصُلُ لَهَا مَعَهُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا إلَّا فِي مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ، وَأَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ فِي النِّسْوَةِ الثِّقَاتِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُ الثِّقَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُنَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِخَطَرِ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُنَّ مُرَاهِقَاتٍ فَيَظْهَرَ الِاكْتِفَاءُ بِهِنَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ لَا مَعْنَى لَهُ، بَلْ الْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ ثَلَاثٌ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُنَّ يَصِرْنَ ثَلَاثًا، وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَكْتَفِي بِاجْتِمَاعِ نِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لِإِحْدَاهُنَّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ الْأَطْمَاعِ عَنْهُنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ، وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ.
تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّسْوَةِ هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ. أَمَّا الْجَوَازُ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِأَدَاءِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْمَرْأَةِ الثِّقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: شَرْطُ وُجُوبِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِيَةُ: شَرْطُ جَوَازِ الْخُرُوجِ لِأَدَائِهَا وَقَدْ اشْتَبَهَتَا عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى تَوَهَّمُوا اخْتِلَافَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ مَا دَلَّ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ وَحْدَهَا. أَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا تَجِبُ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ مَعَ امْرَأَةٍ بَلْ وَلَا مَعَ النِّسْوَةِ الْخُلَّصِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ لَوْ تَطَوَّعَتْ بِحَجٍّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَمَاتَ فَلَهَا إتْمَامُهُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَهَا الْهِجْرَةُ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ وَحْدَهَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ لَا أَجْنَبِيَّاتٍ، كَذَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ عَنْ أَبِي الْفُتُوحِ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ جَوَازُ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِنِسْوَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا بِقَلِيلٍ عَلَى الصَّوَابِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي حَقِّهِ مَا يَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ) أَوْ زَوْجٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (لِإِحْدَاهُنَّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُنَّ أَمْرٌ فَيَسْتَعِنَّ بِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ) مَعَهَا (إلَّا بِهَا) إذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَأُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ وَأَوْلَى بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْتِزَامِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ مَعْنِيٌّ فِيهَا فَأَشْبَهَ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الزَّوْجِ كَالْمَحْرَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَفِي أُجْرَةِ النِّسْوَةِ نَظَرٌ لِلْإِسْنَوِيِّ، وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُنَّ بِالْمَحْرَمِ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ حَجُّ التَّطَوُّعِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَكَذَا السَّفَرُ لِلْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِالْأُجْرَةِ لَمْ يُجْبَرْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute