وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ نَفْسُ مَكَّةَ، وَقِيلَ كُلُّ الْحَرَمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ
ــ
[مغني المحتاج]
نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا لِأَنَّ بِالنَّفْرِ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ. نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا وَلَوْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا «فَقَدْ أَعْمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَ عُمَرَ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَفِعْلُهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ فِي غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهِمَا. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي الطَّوَافِ وَالِاعْتِمَارِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ ثَالِثُهُمَا: إنْ اُسْتُغْرِقَ زَمَنُ الِاعْتِمَارِ بِالطَّوَافِ فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالِاعْتِمَارُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَكَانِيِّ فَقَالَ: (وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ) وَلَوْ بِقِرَانٍ (فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ (نَفْسُ مَكَّةَ) لِلْخَبَرِ الْآتِي (وَقِيلَ: كُلُّ الْحَرَمِ) لِأَنَّ مَكَّةَ وَسَائِرَ الْحَرَمِ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ، فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فِرَاقِهِ بُنْيَانَ مَكَّةَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ مُسِيئًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَأَمَّا غَيْرُهُ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي (فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَأَحَدُ الْحَلْفَاءِ مِثْلُ قَضْبَةٍ وَقَضْبَاءَ، وَهُوَ النَّبَاتُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهُوَ عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ هَذَا مِيقَاتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) الْمُتَوَجِّهِ (مِنْ الشَّامِ) بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ، وَالْمَدِّ مَعَ فَتْحِ الشِّينِ ضَعِيفٌ. وَأَوَّلُهُ كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ نَابُلُسُ وَآخِرُهُ الْعَرِيشُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَدُّهُ طُولًا مِنْ الْعَرِيشِ إلَى الْفُرَاتِ، وَعَرْضًا مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ مِنْ نَحْوِ الْقِبْلَةِ إلَى بَحْرِ الرُّومِ، وَمَا سَامَتْ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) مِنْ (مِصْرَ) وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَعْرُوفَةُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَهُوَ الْفَصِيحُ، وَحَدُّهَا طُولًا مِنْ بَرْقَةَ الَّتِي فِي جَنُوبِ الْبَحْرِ الرُّومِيِّ إلَى أَيْلَةَ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَرْضُهُ مِنْ مَدِينَةِ أُسْوَانَ وَمَا سَامَتَهَا مِنْ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى إلَى رَشِيدٍ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ مَسَاقِطِ النِّيلِ فِي الْبَحْرِ الرُّومِيِّ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَنْ سَكَنَهَا أَوَّلًا، وَهُوَ مُضَرُ بْنُ قَيْصَرَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ (وَ) مِنْ (الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ) وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْ مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ نَزَلَ عَلَيْهَا فَأَجْحَفَهَا، وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ، وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةٌ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ، وَمَهْيَعَةٌ بِوَزْنِ مَعِيشَةٍ (وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ) بِكَسْرِ التَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنُ إقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute