وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ.
وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلَا جَهْرٍ، وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ،
ــ
[مغني المحتاج]
ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَخَاصَّةً) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ خُصُوصًا أَيْ يَتَأَكَّدُ، وَقَوْلُهُ (عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ قُصِدَ بِهِ إفَادَةُ ضَابِطٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا قَوْلُهُ (كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا بِخَطِّهِ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ اسْمُ مَكَان يَصْعَدُ فِيهِ وَيَهْبِطُ (وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ يُرْفَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي كَرُكُوبٍ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيمَا ذُكِرَ، فَتَتَأَكَّدُ فِي أُمُورٍ أُخَرَ كَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْهُ، وَعِنْدَ سَمَاعِ رَعْدٍ أَوْ هَيَجَانِ رِيحٍ، قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَمُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا، رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَوَقْتِ السَّحَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَتُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ تَنْزِيهًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَا تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ أَدْعِيَةٌ وَأَذْكَارٌ خَاصَّةٌ فَصَارَ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي السَّعْيِ بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَا فِي الطَّوَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ بَعْدَهُ وَفِي الْمُتَطَوِّعِ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ. لَكِنْ (بِلَا جَهْرٍ) فِي ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ.
وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِمَا قَطْعًا (وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ) وَمَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ فِي طَاعَتِكَ. مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَزَادَ الْأَزْهَرِيُّ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، وَهُوَ مُثَنَّى مُضَافٌ أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ سَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ (لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ) أَرَادَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا شَرِيكَ لَكَ إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ (إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِنَصَبِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنْ شِئْت جَعَلْت خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا - أَيْ إنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمُلْكَ. ثُمَّ يَبْتَدِئَ بِلَا شَرِيكٍ لَهُ، وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى، وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: ٢٧] [الْحَجُّ] فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عَلَى مَقَامِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ حِينَئِذٍ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا، وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute