إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا جِنْسًا اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ،
ــ
[مغني المحتاج]
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَجُلًا سَكْرَانَ يَتَفَاقَزُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَمَرَ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ يَدْخُلُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ أَشَرُّ مِنْ الْخَمْرِ، فَقَالَ: ارْجِعْ حَتَّى أَتَفَكَّرَ فِي مَسْأَلَتِكَ فَأَتَاهُ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: امْرَأَتُكَ طَالِقٌ، إنِّي تَصَفَّحْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَشَرَّ مِنْ الرِّبَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِيهِ بِالْحَرْبِ: أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩] وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ أَكْلَ الرِّبَا. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ أَيْ وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشَبَ،.
وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ (إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ (جِنْسًا) وَاحِدًا كَبُرٍّ وَبُرٍّ (اُشْتُرِطَ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (الْحُلُولُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ) لَهُمَا (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ) كَانَا (جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ) أَمْرَانِ (الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ) لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ مُقَابَضَةً. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُلُولُ: أَيْ غَالِبًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَيَكْفِي قَبْضُ الْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، وَكَذَا قَبْضُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَقَبَضَ سَيِّدُهُ أَوْ وَكِيلًا فَقَبَضَ مُوَكِّلُهُ لَا يَكْفِي. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: الطُّعْمُ مَعَ التَّقْدِيرِ فِي الْجِنْسِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا رِبَا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَفِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْعِلَّةُ الطُّعْمِيَّةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطُّعْمُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى الطَّعَامِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute