وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا
ــ
[مغني المحتاج]
مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ (وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ) بِضَمِّ الطَّاءِ مَصْدَرُ طَعِمَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ أَكَلَ غَالِبًا.
وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطُّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ، وَهُوَ نَبْتٌ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ كَمَا مَرَّ (اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا) كَمَا تُؤْخَذُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَعَلَى التَّمْرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ وَعَلَى الْمِلْحِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَالسَّقَمُونْيَا وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ أَوْ يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَإِنَّ الْأَغْذِيَةَ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْأَدْوِيَةَ لِرَدِّ الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاءَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الطَّعَامُ فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ الْمَبْنِيَّةُ هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا رِبَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَدُهْنِهِ وَدُهْنِ السَّمَكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلطُّعْمِ، وَلَا فِي الطِّينِ غَيْرِ الْأَرْمَنِيِّ كَالْخُرَاسَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ سَفَهًا وَلَا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أَوْ الْبَهَائِمِ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَالنَّوَى أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُهَا لَهُ وَإِنْ قَصَدَ لِلْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا إذَا كَانَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ، فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الرِّبَا فِيهِ، وَلَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَجَازَ بَلْعُهُ كَصِغَارِ السَّمَكِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ. وَقَدْ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ قَصَدَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقْصَدُ كَالْعَظْمِ الرَّخْوِ وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا الْجُلُودُ كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: أَيْ الَّتِي لَمْ تُؤْكَلْ غَالِبًا بِأَنْ خَشُنَتْ وَغَلُظَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَدَاوِيًا الْمَاءُ الْعَذْبُ، فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ مُطْعَمٌ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩] بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْحَلْوَى. قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: وَهُوَ غَلَطٌ صَدَرَ عَنْ ظَنٍّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَفَكُّهًا الْفَاكِهَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَرُ، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْأُدْمَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَاسْتَشْكَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى اللُّغَةِ اتَّحَدَ الْمَوْضِعَانِ، أَوْ إلَى الْعُرْفِ، فَأَهْلُهُ لَا يُسَمُّونَ الْفَاكِهَةَ وَالْحَلْوَى طَعَامًا، وَيُمْكِنُ دُخُولُ الْأُدْمِ فِي التَّفَكُّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ كَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفٌ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْبَرْنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: هُوَ ضَرْبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute