وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ فِي جَمِيعِ الْمَنَاهِي عِلْمُ النَّهْيِ بِهَا حَتَّى فِي النَّجْشِ كَمَا نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِبَحْثِ الرَّافِعِيِّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَقَالَ (وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ) الرَّقِيقَةِ (وَالْوَلَدِ) الرَّقِيقِ الصَّغِيرِ الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ فَسْخٍ بِإِقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا بِعِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ (حَتَّى يُمَيِّزَ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَوَاءٌ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَا لِمَالِكَيْنِ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ.
وَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَمَا إذَا فَرَّقَ بِعِتْقٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُحْسِنٌ، وَكَذَا الْوَاقِفُ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تَقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِوَضْعِهَا فَلَعَلَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ زَمَانِ التَّحْرِيمِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِرُجُوعِ الْمُقْرِضِ، وَمَالِكُ اللُّقَطَةِ دُونَ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ فِيهَا الرُّجُوعَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ بِشَيْءٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِي لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمْيِيزِ الْوَلَدِ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ الْقَبُولُ وَحِينَئِذٍ، أَمَّا بَعْدَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّعَهُّدِ وَالْحَضَانَةِ، وَخَبَرُ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، قِيلَ إلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ " ضَعِيفٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنْ حَصَلَ قَبْلَ السَّبْعِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ، وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ إلَى سَبْعِ سِنِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُمْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي الْحَضَانَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ هُنَا مَنْعُ التَّمْيِيزِ قَبْلَهَا لِيَحْصُلَ لَهُ قُوَّةٌ وَاسْتِبْدَادٌ عَلَى الِانْفِرَادِ اهـ.
هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ حَتَّى يُمَيِّزَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ الْمَجْنُونِ الْبَالِغِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَتْبَاعُهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ (وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ هَذَا الْقَوْلُ الْبُلُوغَ لِنُقْصَانِ تَمْيِيزِهِ قَبْلَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute