هذا التصرف، مرده إلى أنهما تناسلا من أم أخرى غير الأم التي تناسلوا هم منها، ولذلك كانوا برءاء، وكان يوسف وشقيقه متهمين {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} عندما قالوا ذلك وهم ماثلون أمامه بصفته عزيز مصر، وكانوا لم يعرفوا بعد أنه هو يوسف نفسه، لكنه فيما بينه وبين نفسه {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} تعليقا على زعمهم في تبرئتهم لأنفسهم.
ثم أخذ إخوة يوسف يستعطفون عزيز مصر - وهو نفس يوسف في هذا العهد - محاولين استرجاع أخيهم للأب، ولو بتعويضه بآخر منهم {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، لكن خطة يوسف الحكيمة كانت تقتضي الاحتفاظ بشقيقه بنيامين بالخصوص إلى نهاية المطاف {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ}. وهاهنا أكد يوسف عليه السلام مبدأ المسؤولية الفردية، والتبعة الشخصية، وهو أنه " لا تزر وازرة وزر أخرى " ولا يؤاخذ أحد بما فعل غيره، انسجاما مع ظاهر الحال في هذه الواقعة.
ولما أدرك إخوةَ يوسف اليأسُ من نجاح محاولتهم في استرداد بنيامين، أو تعويضه بآخر منهم، اجتمعوا وتناجوا فيما بينهم ماذا يكون موقفهم تِجاه أبيهم يعقوب، وماذا يبرِّرون به حجز أخيهم بنيامين، وبقاءه في مصر دونهم، وكان من شدة وقع هذه الحادثة في أنفسهم أن انفصل عنهم أخ ثالث هو أكبرهم