جميعا، إذ أحس بثقل المسؤولية، وتذكر الموثق الذي واثقوا عليه أباهم يعقوب، ولم يعد يستطيع أن يواجه أباه، خجلا منه، وخوفا من مؤاخذته، فقرر البقاء في مصر، إلى أن يسمح له أبوه ويأذن له بالعودة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} أي انفردوا عن غيرهم يناجي بعضهم بعضا {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} يريد الموضع الذي وقعت فيه الحادثة {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. ثم قال لباقي إخوته {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} أي بما علمنا من ظاهر الحال {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} إشارة إلى أنهم حين أعطوا الميثاق لأبيهم في شأن المحافظة على أخيهم لم يكونوا يعرفون أنه سيسرق، أو إشارة إلى أنهم لا يعرفون حقيقة الأمر الواقع في شأن السرقة المتهم بها أخوهم بنيامين {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} أي اسأل أهل القرية {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي اسأل أصحاب العير الذين رافقناهم في السفر، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
وعاد إخوة يوسف من رحلتهم المثيرة، وقد تركوا وراءهم بنيامين في قبضة عزيز مصر ظاهرا، وفي ضيافة شقيقه يوسف باطنا، وانفصل عنهم كبيرهم، فبقي في عين المكان الذي وقعت فيه الحادثة، فرارا من مواجهة أبيه يعقوب، وبذلك أصبح أبوهم فاقدا لثلاثة من أبنائه بدلا من واحد، ولم يسعه إلا أن يتهمهم بأن