يضاعف الكمد ويزيد في الحزن {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي أعرض عن أبنائه بعدما سمع كلامهم واعتذارهم دون أن يُصدّقهم فيما قالوا {وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} أي من البكاء الناشئ عن الحزن العميق، حيث يزداد الضغط على العينين وتبدو العين بيضاء {فَهُوَ كَظِيمٌ} أي كظم غيظه، وأقبل على الله يشكو إليه دون سواه، لكن أبناءه قاطعوه في غمرة الحزن، خوفا من أن تزداد حالته سوءا بذكر يوسف والأسف عليه، {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} أي ضعيف القوة مشرفا على الهلاك {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}. فما وسع يعقوب إلا أن رد عليهم في الحين قائلا:{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} و " البث " هنا بمعنى الهم.
وقوله في نفس السياق {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} تلويح إلى أنه لن يسيء ظنه بالله، وإشارة إلى شعوره الخاص بأن يوسف لا بد أن يكون على قيد الحياة، ولا بد أن تتحقق رؤياه في يوم من الأيام، مهما كانت الظواهر لا تدل على شيء، ولذلك دعا أبناءه إلى المزيد من البحث عن يوسف وأخيه بنيامين، ونهاهم عن اليأس من رحمة الله، اعتمادا على المعهود من لطفه الخفي بعباده المخلصين {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} و " التحسس " التعرف إلى الشيء عن طريق الحواس، والمراد هنا تتبع أخبار يوسف وأخيه {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} أي من رحمته {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.