وامتثالا لأمر أبيهم يعقوب أعاد فريق من أبنائه الكرة، تاركين الفريق الآخر مع أبيهم، فرحلوا إلى مصر من جديد، واتخذوا جميع الوسائل للمثول مرة أخرى بين يدي عزيز مصر -وهو في الحقيقة أخوهم يوسف- طالبين منه إسعافهم بالتموين اللازم لهم، مقابل أخذه منهم بضاعة قليلة جاؤوا بها، ولم يكتموا عنه طمعهم في أن يوفي لهم الكيل، ورجاءهم في أن يتصدق عليهم بما تجود به نفسه الكريمة. {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} والضر يشمل المجاعة التي أصابت بلادهم، والهم الذي نزل بعائلتهم {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} أي بضاعة قليلة {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.
وفي هذه المناسبة انتهز يوسف الفرصة، فكشف عن وجهه النقاب، وعرفهم بأن " عزيز مصر " الذي يتحدثون إليه الآن هو أخوهم يوسف بالذات، وأن أخاهم الذي حجزه عنده في المرة الماضية هو أخوه بنيامين، وإذن فهم الآن أفراد أسرتهم، وأمام واحد منهم، وذكرهم بما فعلوه به وبأخيه، ناسبا ذلك الفعل إلى ما كانوا عليه في حال الفتوة من جهل بحقائق الأمور، وغفلة عن خفايا الأقدار، واستعرض أمامهم نعمة الله عليه وعلى أخيه، وأن مصير كل من اتقى وصبر، هو الفوز والظفر {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.