وعندما عرفوا حقيقة الأمر اعترفوا بفضل الله على أخيهم يوسف، وبإيثار ربه له عليهم، لحكمة يعلمها - {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤] واعترفوا في نفس الوقت بالخطيئة التي ارتكبوها في حقه، لكنه أجابهم بجواب كله حلم وصفح، وعفو ورحمة {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} من " الخطيئة " بمعنى المعصية، لا من " الخطأ " ضد الصواب، فمن الخطأ يقال " مخطئ " لا " خاطئ ". {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} أي لا ملامة عليكم، ولا تعنيف لكم {الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
ثم أعطى يوسفُ لإخوته بعد اعترافهم واعتذارهم قميصَه الخاص ليحملوه إلى أبيه يعقوب، شاهداً بحياته، مع دعوة رسمية منه إليه والى كافة أفراد عائلته بالقدوم عليه إلى مصر {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.
وما كادت العير التي يرافقها أبناؤه تفارق أرض مصر وهم في طريقهم إليه يحملون معهم قميص يوسف، حتى أخذ يعقوب يحدث بقية أبنائه الذين بقوا ملازمين له بأنه يجد رائحة قميص يوسف من بعيد، وخشي من استبعادهم لهذا الإحساس الخاص، ومن تفنيدهم له، لأنهم لا يدركون سره {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} أي فارقت مصر {قَالَ أَبُوهُمْ} أي لمن بقي معه {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}.
وما كاد من معه من أبنائه يسمعون مقالة أبيهم يعقوب، حتى