استغربوها، وتذكروا قولة إخوتهم في شأنه من قبل {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} استغرابا منهم لإفراطه في محبة يوسف والشغف به، فرددوا مثلهم نفس الفكرة والعبارة، {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}. قال قتادة: أي من حب يوسف، لا تنساه ولا تسلاه. " يقال سلى يسلى وسلا يسلو ". {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} أي ما كاد البشير يلقي أمامه " قميص الفرحة " حتى شفاه الله من كل أثر " لقميص القرحة ". وهكذا اختار يوسف أن تكون بشرى أبيه في النهاية بقميص، كما كانت فاجعته في البداية بقميص {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}.
ولم يلبث يعقوب عليه السلام أن ذكر أبناءه جميعا بقوله من قبل {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} والتفت إليهم قائلا: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. فما كان منهم إلا أن أقبلوا عليه يسألونه العفو عنهم، وطلب المغفرة لهم، معترفين بخطيئتهم {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
ولبَّى أب يوسف وأمه وإخوته جميعا دعوته، فاستقبلهم رسل يوسف أحسن استقبال، وبمجرد ما مثلوا بين يديه رغبهم في الإقامة معه بمصر آمنين مطمئنين، أعزاء محترمين {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} أي انحنوا أمام يوسف بصفته " عزيز مصر "، انحناءة الإجلال والتوقير، طبقا " للتشريفات " المعتادة في ذلك العصر، وليس المراد أنهم سجدوا له السجود