ففي هذه الآيات الكريمة عرض سريع وخاطف لمظاهر متنوعة من صنع الله العجيب، وظواهر دقيقة من تدبيره المحكم، مما يبعث على التفكر والتدبر كل من عنده عقل أو فكر.
والوحي الإلهي الذي امتاز به الإسلام لا يتهيب أن يحتكم دائما إلى العقل الناضج والفكر السليم، وأن يعتمد عليهما، بل هو واثق بانتصاره أمام فحصهما، مطمئن إلى إقناعه لهما، لأنه منبثق من صميم الفطرة الأصيلة التي فطر الله الناس عليها، ولا يوجد أي تعارض أو تناقض بينه وبينها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} - {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
وقوله تعالى هنا {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} على غرار قوله تعالى في سورة لقمان {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}[الآية: ١٠]، وقد فهم بعض المفسرين أن الضمير في كلمة " ترونها " يعود على السماوات، تأكيدا لنفي العمد عنها، أي أن السماوات مرفوعة بغير عمد، كما ترونها، فهي لا ترتكز على أي شيء، ما عدا قدرة الله التي تمسكها {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}[فاطر: ٤١]{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[الحج: ٦٥].
وذهب فريق آخر من المفسرين إلى أن الضمير في {تَرَوْنَهَا} عائد على العمد لا على السماوات، فيكون معنى {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أن السماوات ليس لها عمد مرئية، ومفهوم ذلك أن للسماوات عَمَداً، لكن عمدها لا ترى، وإلى هذا التأويل ذهب