وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}.
وأول صفة وصف الله بها هذا النوع المتبصر المفضل من الناس - وهم {أُولُو الْأَلْبَابِ} في لغة القرآن - هي صفة الوفاء بالعهد، التي تعتبر بالنسبة إلى غيرها بمنزلة الأصل من الفرع، إذ الوفاء بالعهد يستلزم القيام بجميع الفروض والواجبات، والوفاء بكل العقود والالتزامات، والأداء لكافة الحقوق والأمانات، وفي طليعتها العهد الأول الذي أخذه الله على الإنسان، وهو لا يزال في صلب أبيه آدم بالتزام الإيمان، ثم العهد الذي يترتب على