وتناول كتاب الله الرد على المصرين المعاندين من مشركي العرب الذين قالوا للرسول:" لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح "، ومرادهم تسخير الريح لهم، " أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه ". فقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أي لما آمنوا به، ما دام تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى، بالنسبة لهؤلاء المعاندين المصرين إنما هو مجرد تحد وإصرار، وعتو واستكبار، وليس الأمر أمر استجلاء للحقائق أو تطلع إلى استكناه الأسرار، فالمعنى المراد إذن أنهم " لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ".
وقوله تعالى:{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} مواساة من الله لرسوله والمؤمنين، وتعريف لهم بأن الحرب التي تدور رحاها بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، مستمرة إلى يوم الدين، وأن أعداء الله وخصوم دينه لا بد أن يلاقوا جزاءهم، بشكل أو آخر على مر الأيام، فكلما انجلت عنهم قارعة وأمنوا مكر الله حلت بساحتهم قارعة أخرى أدهى وأمر، وهم بين القارعتين الماضية والآتية في خوف وهلع، واضطراب وجزع، كما جرى في حروبهم المتتالية، ولاسيما في الحربين العالميتين الأولى