تَعْمَلُونَ}، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧].
وقوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} حكاية لمزاعم المشركين ومن لف لفهم، ووصف لاعتقادهم الفاسد: إن القضاء والقدر هما المانعان اللذان يحولان بينهم وبين الطاعة والإيمان، بينما الواقع يبطل ادعاءهم، ويهدم اعتقادهم، فقد مكن الله الإنسان من جميع الأجهزة، والملكات التي يميز بها الخير من الشر، والحق من الباطل، ولم يقتصر على ما منحه من الأجهزة والملكات الصالحة والكافية للتمييز، بل أكرمه علاوة على ذلك ببعث الأنبياء وإرسال الرسل جيلا بعد جيل، مبشرين ومنذرين، ومبينين طريق الحق والهدى للناس أجمعين، وأتبع ذلك كله بدرس عملي، يبين الأثر الطيب لعقيدة التوحيد، ودرس عملي آخر، يبين الأثر السيئ للإصرار على الشرك والضلال. وبذلك سقطت حجة كل من ادعى الجهل أو الغفلة، أو اتهم بكفره وضلاله القضاء والقدر، ولم يبق عذر لمن اختار طريق الضلال على طريق الهدى، وأصبح كل إنسان مسؤولا عن نفسه، محاسبا على اختياره، مجازى عليه بالخير إن كان اختياره خيرا، وبالشر إن كان اختياره شرا، وبين كتاب الله أن موقف المشركين من رسالة الإسلام وخاتم الرسل ليس أمرا مفاجئا ولا جديدا، بل هو أمر متعارف عن المشركين منذ عهد قديم، فقال تعالى: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ