ونزول إلى الدرك الأسفل من دركات الحيوان، لا يسعه إلا الاعتراف بجميل مولاه والإذعان والإيمان، لكن المعاندين والجاحدين مصرون على عنادهم وجحودهم رغما من تمتعهم بنعم الله، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}.
وتناول القسم الأخير من هذا الربع بالوصف والتحليل حالة المشركين والكافرين عندما يضع الله الموازين القسط ليوم القيامة، وما يكونون عليه من وجوم ودهشة وارتباك وتردد لهول المفاجأة، وما يرددونه من اعتراف وإقرار، وما يحاولونه من تراجع واعتذار، فقال تعالى:{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ}، أي: فكذبهم شركاؤهم، {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ}، أي: واستسلم الذين أشركوا يومئذ لله مذعنين خاشعين، لكن بعد فوات الوقت. {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}.
وقوله تعالى هنا:{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} يشبه قوله تعالى فيما سبق من سورة النساء: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[الآية: ٤١]. وقد كان عبد الله بن مسعود يقرأ، ورسول الله يسمع، فلما وصل إلى هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حسبك "، فالتفت عبد الله بن مسعود إلى