مأمن من عوامل الشقاق والخصام، وإلى هذا المعنى الدقيق الرقيق يشير قوله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}، ويزيد هذا المعنى توضيحا وتحليلا، قوله تعالى في سورة الروم:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الآية: ٢١].
وفي سياق امتنان الله على عباده بما آتاهم من أسر وبيوت، وبنين وحفدة، عرض كتاب الله جملة من النعم التي هي شرط أساسي لحياة الأسرة وسعادة البيت، مما يتوقف عليه كل إنسان في الحر والقر، في الظعن والإقامة، في السلم والحرب، فقال تعالى:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا}، أي: ظلالا تقيكم حر الشمس. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا}، أي: حصونا تأوون إليها وتعتصمون بها، {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}، أي: كساكم من عرى بملابس وأغطية تدفع عنكم الحر والقر، {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}، أي: دروع الحرب والجهاد، التي يحتاج إليها في ساحات المعارك وما ناسبها من عدة وعتاد، ثم عقب كتاب الله على ذلك كله قائلا:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}، بمعنى أن من فكر في مجموع هذه النعم الإلهية، وقدرها حق قدرها، وتأمل في كرم المنعم بها وفضله، واستحضر في ذهنه ما ينشأ عن فقدها واختلالها أو الحرمان منها، من اختلال في حياة الإنسان،