الحياة الدنيا قبل الآخرة، جزاء كفرهم بنعمه الوافرة، فكم من مدن وقرى أنعم الله على أهلها بالأمن والطمأنينة ورغد العيش، وسهولة الحصول على الضروريات والحاجيات من كل مكان، فلم يقدروا نعمه حق التقدير، ولم يصدقوا بشارة أي بشير، ولا نذارة أي نذير، فمثل هؤلاء القوم يعاقبهم الله بالسلب بعد العطاء، ويسلط عليهم الخوف والجوع وما يرافقهما من أنواع البلاء، جزاء كفرهم، وعدم شكرهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}.
والقرية المشار إليها في هذه الآية على سبيل المثال يظهر أن المراد بها مكة في عهد سيطرة الشرك والمشركين عليها، فقد أصر مشركو قريش في بداية عهد الإسلام على مقاومة الرسالة المحمدية، وبالغوا في إذاية الرسول عليه السلام وإذاية المؤمنين، إلى أن اضطر للدعاء عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة واحدة أذهبت لهم كل شيء، وكانت كافية في ردعهم عن طغيانهم نوعا ما، ولم يسعهم بعدما رأوا العذاب، ولمسوا أثر استجابة الله دعاء رسوله، إلا أن يلتجئوا إليه قاصدين بابه، سائلين منه الدعاء لهم باللطف والرفق، فما كان منه عليه السلام إلا أن رق لحالهم، ودعا الله فاستجاب الله دعاءه، وكان ذلك الموقف النبوي الكريم من أهم العوامل التي زعزعت ثقتهم بالشرك