مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. وبمقتضى هذا الأمر الإلهي المطاع أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد بكل ما أوحي إليه من ملة إبراهيم، وورد قوله تعالى في سورة الأنعام:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الآية: ١٦١].
وقوله تعالى في وصف إبراهيم:{كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، قال ابن مسعود:" الأمة هو الذي يعلم الناس الخير، والقانت هو المطيع ". ويطلق لفظ الأمة أيضا ويراد به الإمام الذي يقتدى به، وقد كان إبراهيم عليه السلام في آن واحد: مطيعا لربه، ومعلما للخير، وإماما لأتباع ملة التوحيد على العموم، و (الحنيف) في هذه الآية وما ماثلها معناه المخلص، والمنحرف عن الشرك قصدا إلى التوحيد. قال أبو بكر (ابن العربي): " فعلى كل عبد أن يطيع الله ويعلم الأمة، فيكون في دين إبراهيم على الملة ".
وبعدما أمر الحق سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين باتباع ملة إبراهيم خاطبه موجها ومرشدا، مبينا له نوع الدعوة الموكولة إليه، وأحسن الطرق التي يلزمه سلوكها لتبليغ تلك الدعوة، فقال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}، والدعوة إلى سبيل الله هي جوهر الدعوة وصميمها، ثم قال تعالى:{بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وهذه هي الشروط الأساسية لكل دعوة يكتب لها الانتشار والانتصار، إذ متى كانت الدعوة -من أي نوع- يقود خطواتها داعية غير حكيم ولا متبصر، أو داعية غير مهذب القول ولا مهذب الطبع، أو داعية