إشارة لطيفة إلى أن مرتكب المعصية عندما يهجم على ارتكابها يكون في حالة شبيهة بحالة الإغماء والجنون، بحيث يفقد -تحت ضغط الشهوة- وعيه الديني تقريبا، فينسى حكم الدين، وينسى يوم الدين، حتى إذا ما استرجع وعيه ندم على ما فرط منه، وأخذ يتلمس الأسباب، ويطرق الأبواب، ليريح ضميره من العذاب، فيفتح الحق سبحانه وتعالى في وجهه باب التوبة، وما أوسعه من باب، وبذلك يعود المؤمن العاصي إلى أحضان الرشد والصواب، {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا}، أي: من بعد التوبة، {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ونظرا إلى المقام الكريم الذي يحتله في تاريخ الخليقة خليل الرحمان ونبيه إبراهيم، وادعاء الكثير من أتباع الملل والنحل أنهم معتمدون عليه، وأن مللهم ونحلهم منه وإليه، -ومن بين المدعين لهذه الدعوى مشركو العرب وبنو إسرائيل- فقد تصدى كتاب الله لإبطال دعواهم، مبينا هنا أن إبراهيم عليه السلام لم يكن من المشركين، بل كان قانتا لله حنيفا، كما بين كتاب الله في موضع آخر أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وإنما كان حنيفا مسلما، وبهذه المناسبة أثنى كتاب الله على خليله إبراهيم، ونوه بفضائله ومزاياه في الدنيا والآخرة، ودعا خاتم الأنبياء والمرسلين إلى رفع رايته، وإتباع ملته، وإلى هذه المعاني المتعددة يشير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ