يؤاخذهم عليه، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا مخاطبا الأبناء التائبين من تقصيرهم في حق الآباء:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}.
وبعدما استوفى كتاب الله الحديث عن حقوق الوالدين في البر والإحسان دعا كل فرد من المسلمين إلى أن يعم بره وإحسانه بعد والديه عشيرته الأقربين، ثم كل محتاج ومسكين، فحق الأخوة العامة في الله بين المسلم وأخيه المسلم لا يقل عن حق القرابة في الدم، وذلك قوله تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}.
ونظرا لأن الرزق لا يستمر على وتيرة واحدة، بل يتسع أحيانا فيبسط صاحبه يده للبذل والسخاء، ويضيق أحيانا فيقبض صاحبه يده عن العطاء، نبه الحق سبحانه وتعالى عباده إلى الأدب الواجب عليهم في مثل هذا الظرف الدقيق، وأنه ينبغي لهم أن يتجنبوا كل ما يلحق الأذى بشعور إخوانهم، أو يحط من كرامتهم، وبدلا من أن يعرضوا عنهم متسترين ينبغي لهم أن يعدوهم وعدا جميلا بالعون إذا ما أيسروا، ويقولوا لهم قولا معروفا إذا أقبلوا أو أدبروا، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى مخاطبا كل فرد من أفراد المسلمين:{وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}.
وإزالة لكل التباس يمكن أن يقع فيه الناس اهتم كتاب الله بتوضيح أن الأمر بالبر والإحسان لا يقتضي حتما إنفاق كل ما يملكونه في هذا السبيل، فضلا عن غيره من السبل، تاركين