وتكريم الله للإنسان يتجلى في الهيئة الحسنة التي خلقه عليها، وفي الاستعدادات والملكات التي جهزه بها، وفي المشتهيات واللذائذ التي وضعها على مائدته ليتناول منها، كما يتجلى تكريم الله للإنسان في إمداده بالرسالات الإلهية المتوالية، للاهتداء بها إلى سعادته الدنيوية والأخروية، ويفرض عليه الاستجابة لدعوة الله، وإسلام وجهه إلى الله، وابتغاءه في حركاته وسكناته مرضاة الله، وبذلك يقيم الإنسان الدليل على أنه أهل للتكريم، وجدير بما ادخره له الحق سبحانه وتعالى من النعيم المقيم، أما إذا لم يستعمل الإنسان ما أكرمه الله به من الملكات والاستعدادات الاستعمال اللائق، فلم يميز الخير من الشر، ولا الهدى من الضلال، ولا الحق من الباطل، فإنه لا يستحق تكريما ولا تفضيلا، وبعد أن كان في أحسن تقويم يصبح أسفل سافلين مهانا ذليلا، وهذا هو السر في التعقيب على آية التكريم للإنسان، بما يفيد إطلاقها، فقال تعالى:{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}. قال القاضي عبد الجبار في كتابه -تنزيه القرآن عن المطاعن- " ومن ذهل عن تمييز الخير والشر في الدنيا فهو بأن يذهل عن