لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}، والمراد " بضعف الحياة " العذاب المعجل في الدنيا، و " بضعف الممات " العذاب المؤخر إلى الآخرة، أي لأذقناك عذابا ضعفا في الحياة، وعذابا ضعفا في الممات، و " الضعف " بمعنى المضاعف، ومنه قوله تعالى في آية أخرى:{فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا}[الأعراف: ٣٨].
ثم أشار كتاب الله إلى تبرم المشركين في مكة بمقام رسول الله بين أظهرهم، ولاسيما بعد أن أسقط في أيديهم وفشلوا فشلا ذريعا في استدراجه إلى مهادنتهم، الأمر الذي جعلهم يفكرون جديا في اتخاذ قرار بنفيه من مسقط رأسه، لكن الله تعالى عصم رسوله منهم فأوحى إليه بالهجرة من مكة إلى المدينة، وحالت الهجرة دون أن يخرج مشروعهم من حيز التفكير إلى حيز التنفيذ، والحكمة في ذلك والله أعلم أن الله تعالى كان قد قدر في سابق علمه وأزله أنهم مهما طال عليهم الأمد فهم لا بد من الشرك خارجون، وفي دين الله داخلون فصرفهم الحق سبحانه وتعالى عن إخراج الرسول من أرضه، حفاظا عليهم إلى اليوم الموعود، يوم فتح مكة المشهود، إذ لو أخرجوه فعلا لعاقبهم الله على جريمتهم الشنعاء، بالإبادة والفناء، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في إيجاز وإعجاز، {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ