ليحيي الناس ويزكيهم، وليعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، إذ قال تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي أن القرآن من وحي الله وكلامه، لا من كلام البشر {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي قبل نزول القرآن {إِلَّا قَلِيلًا * وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا * إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا}.
وتفسير " الروح " في هذه الآية بالقرآن كما أوردناه وارد عن الحسن البصري رضي الله عنه، ويشهد له قوله تعالى في آية أخرى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}[الشورى: ٥٢]. على أن التفسير الشائع عند الجمهور أن المراد بالروح هنا الروح السارية في الأحياء، وأنها مما استأثر الله بعلمه، قال أبو بكر (ابن العربي): " الروح خلق من خلق الله تعالى إذا أراد العبد إنكارها لم يقدر، لظهور آثارها، وإذا أراد معرفتها وهي بين جنبيه لم يستطع، لأنه قصر عنها، وقصر به دونها "، وقال النسفي:" والحكمة في ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له، ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ".
وتحدى كتاب الله -رابعا- جميع المتشككين في معجزة القرآن، على تعاقب الأزمان، إذ قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} - {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.