وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن رحلة موسى من مقر إقامته إلى مجمع البحرين، وبرفقته فتاه، للقاء عبد من عباد الله آتاه الله من لدنه علما لم يؤته موسى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} - {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
واستغرق وصف هذه القصة القسم الثاني من هذا الربع، والقسم الأول من الربع الآتي، وهذه القصة توحي بعدة أمور:
- الأمر الأول - أن الله رفع العلماء بعضهم فوق بعض درجات {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فلا ينبغي لأي عالم أن يعتقد أن عنده منتهى العلم، أو جميع أنواع العلم، وكما أنه سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، فإنه يفيض من علمه على شخص ما لا يفيضه على آخر، ولا ينبغي لأي عالم أن يقنع بما عنده من العلم دون أن يطلب المزيد دائما:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، بل عليه أن ينتهز جميع الفرص والمناسبات، لتلقي أطيب النفحات {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.
- الأمر الثاني - أن العالم بالرغم من كونه عالما لا بد له من أن يلتزم منتهى الأدب مع من هو أعلم منه، وأن لا يعترض على الطريقة التي يختارها معلمه لتعليمه: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي