كأن يحل بساحتهم ما حل بمن قبلهم من الأقوام البائدة، مثل عاد وثمود، من إبادة واستئصال، أو يحل بساحتهم عذاب سريع على وجه الاستعجال، لكن الله تعالى رد عليهم تحديهم المحموم فقال:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} أي أن رسالة الرسل لا تتجاوز البشارة للمصدقين المؤمنين، والنذارة للمكذبين الكافرين، وليس من اختصاص الرسل أن يقرروا بمحض إرادتهم عذابا معينا، أو يستعجلوا العذاب قبل وقته، لمن لم يؤمن بالله، فأمر العقاب والثواب موكول تقريره وتحديد نوعه إلى الله، دون سواه.
وتوضيحا لحكمة الله ورحمته في الانفراد بهذا التدبير، وما يؤول إليه المصير، قال تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} أي لا محيص عنه ولا مفر.
ثم عقب كتاب الله على ذلك بما يفيد أن أظلم الظالمين لأنفسهم وللحقيقة، هم أولئك المتعنتون الذين أتيحت لهم فرص الاهتداء إلى الحق، لكنهم فضلوا الإعراض عنها، وبدلا من أن يعيدوا النظر في أحوالهم وتصرفاتهم ومعتقداتهم على ضوء الهدى الإلهي أصروا على ضلالهم، ولم يغيروا من حالهم، فأقفلوا على أنفسهم جميع الأبواب، ولم يبق أي أمل ولا رجاء في هدايتهم بآيات ربهم المنزلة في الكتاب، وذلك قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ