ولم يسع ذا القرنين إلا ان يبادر إلى نصرة الشعب الضعيف وينزل على رغبته، فقال لرجاله:{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} أي قطع الحديد {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي نحاسا، وهذا الوصف الذي حكاه كتاب الله يفيد أن ذا القرنين أعانهم على ردم الممر الذي كان يغير منه " ياجوج وماجوج "، فكوم فيه قطع الحديد، ثم أمرهم بالنفخ على النار لتسخين الحديد وإذابته، ثم أفرغ على الحديد المذاب نحاسا مذابا ليختلط به فيزداد صلابة وقوة، وهذه الطريقة التي لجأ إليها ذو القرنين ووصفها كتاب الله أقرت بفائدتها الصناعة الحديثة، إذ أخذت تضيف نسبة معينة من النحاس إلى الحديد، حتى تضاعف مقاومته وصلابته، ولهذا المعنى جاء التعقيب على ذلك بقوله تعالى:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي فلم يستطع أبناء " ياجوج وماجوج " بعد ذلك أن يتسوروا السد المحكم الذي أقامه ذو القرنين، نظرا لملاسته، ولم يستطيعوا نقبه للإغارة منه على الشعب المجاور، نظرا لصلابته، وهكذا تحول الشعب المهدد بالغارات إلى شعب يعيش في بحبوحة الأمن والاطمئنان، وأكبر أبناؤه ما أسداه إليهم ذو القرنين من عظيم الإحسان، لكن لما أعربوا عن شكرهم وامتنانهم بادر ذو القرنين إلى التبري من حوله