إلى السياسة العادلة التي سار عليها ذو القرنين في حكمه، مما مكن له في الأرض، وجعله موضع الرضا عند الله، والثناء في كتاب الله. وهذه السياسة كما رسمتها الآية الكريمة تقوم على تشجيع العمل الصالح، ومعاملة أهله بمزيد من الرعاية والعناية، وعلى مكافحة العمل الفاسد، ومواجهة المفسدين بالعقاب الرادع في الدنيا، مع الوعيد بالعذاب الأليم في الآخرة {عَذَابًا نُكْرًا} أي عذابا غير معروف ولا يخطر على قلب بشر.
وقوله تعالى حكاية عن ذي القرنين:{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} يحتمل احتمالين: إما أنه عندما توغل في أقصى الشرق اكتشف قوما " بدائيين " لا يزالون عراة الأجسام، بحيث لا يسترهم من الشمس أي شيء، وإما أنه اكتشف قوما منبوذين بالعراء، يعيشون فوق أراضي جرداء، لا ديار لهم ولا أشجار، ولا كهوف عندهم ولا أغوار، وبذلك لم يكن بينهم وبين قيظ الشمس وحرها أي ستار، مثل الصحارى الشاسعة، والسهوب الواسعة.
وقوله تعالى حكاية عن ذي القرنين:{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا}[الآية: ٩٢، ٩٣] إشارة إلى الحالة التي وجد عليها ذو القرنين شعبا متخلفا معرضا لعدوان شعب أقوى منه بجواره، يدعى " ياجوج وما جوج "، فلما اطمأن الشعب المتخلف الضعيف إلى عدل ذي القرنين، وشاهد حرصه على الصلاح ومقاومته للفساد، التمس منه أن يقيم بينه وبين جيرانه المعتدين، سدا يحميه من