للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يدعيها له أحد من مؤرخي الدول الذين تعاقبوا عبر الأجيال.

والآن فلننظر إلى ما يتخلل هذه القصة من مغزى عميق، أو معنى دقيق، فقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} بعد قوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ} إشارة إلى أن التمكين في الأرض، أي أرض كانت، واستقرار السلطان فيها، إنما يتم عند توافر الأسباب والعوامل الضرورية له، ويفهم من هذا أنه متى اختل سبب من تلك الأسباب أو عامل من تلك العوامل، وقع من الخلل بحسبه، وعلى قدر أهميته، وعلى رأس تلك الأسباب والعوامل: الإيمان بالله، وإقامة العدل بين الناس، ومقاومة الفساد وردع المفسدين، وهذه الأسباب والعوامل كلها توفرت في ذي القرنين، طبقا لما حكاه كتاب الله في قصته.

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} إشارة إلى ما تراءى لذي القرنين عند غروب الشمس كأنها تغرب في عين، وهذه العين (حمئة) داكنة اللون، لما تجمع حولها وأحاط بها من الطين والأعشاب، على غرار ما يتراءى لراكب السفينة في البحر، أو الواقف على شاطئه، من أن الشمس تغرب في الماء وراء الأفق، بينما هي في الحقيقة إنما تغيب عن مكان لتشرق على مكان آخر، وهي لا تفارق فلكها الخاص.

وقوله تعالى حكاية عن ذي القرنين: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} إشارة

<<  <  ج: ص:  >  >>