إيجادا وإمدادا، منبها إلى أنه لو أصبح ماء البحر مدادا تكتب به كلمات الله، الناطقة بأمره وخلقه، والمتعلقة بما كان وما سيكون، وما لو كان كيف يكون، لجف ماء البحر قبل انتهائها، ولعجز عن الوفاء بتسجليها، إذ البحر ما هو إلا جزء بسيط من أجزاء الكون، والكون على سعته وترامي أطرافه لا يخرج عن أنه عالم محدود، بينما مجاري الأقدار الإلهية، والتصرفات الربانية، التي ترمز إليها كلمات الله، ويتعلق بها علم الله، لا تقبل الحصر والعد ولا تحدها أية حدود، وإلى ذلك يشير قوله تعالى هنا:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان: ٢٧].
وفي هذا السياق الذي أبرز فيه كتاب الله أخص خصائص الألوهية خاطب الحق سبحانه وتعالى رسوله بما يؤكد صفته البشرية وعلمه المحدود، بالرغم من كونه نبيا رسولا، منبها إلى أنه لا سبيل لرسوله إلى كشف الغيب، إلا بواسطة الوحي الإلهي الذي يتلقاه عن الله، فمن الوحي يتلقى الأجوبة المفحمة للمشركين وأهل الكتاب، كلما تحدوه بأسئلتهم المحرجة، كسؤالهم عن أهل الكهف، وسؤالهم عن ذي القرنين، وسؤالهم عن الروح {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى في سورة يوسف:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}[الآية: ١٠٢]، ثم أجمل مضمون الرسالة