الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} أن معناه أن الله تعالى يسلط عذابه يوم القيامة على رؤساء الضلال قبل أتباعهم، ويبدأ بأكابر المجرمين قبل أصاغرهم، لعظم مسؤوليتهم في إشاعة الفاحشة ونشر الإجرام، وصد الخلق عن طريق الحق، على غرار قوله تعالى في آية أخرى:{حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}[الأعراف: ٣٨]، وقوله تعالى في آية أخرى:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}[الأحزاب: ٦٧، ٦٨].
وقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} إما أن يكون الخطاب فيه موجها إلى أصناف الكافرين، والعصاة المتمردين، وعلى هذا المعنى يكون " الورود " على النار قاصرا عليهم دون غيرهم، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء: ١٠١]، وتكون هذه الآية مرتبطة بما قبلها تمام الارتباط، وإن كان الضمير فيما سبقها ضمير غيبة، والضمير الوارد فيها ضمير خطاب، قال ابن الأنباري:" جائز في اللغة أن يرجع من خطاب الغيبة إلى لفظ المواجهة بالخطاب " واستدل بقوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}[الإنسان: ٢١، ٢٢].