مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمن، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى:{فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري: " وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح