إلى أخيه هارون باللوم والعتاب، كأنه قصر في القيام بواجب الخلافة عنه وأهمل وصاياه، فيقول له كما حكى عنه كتاب الله:{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} فما كان من أخيه هارون إلا أن رد عليه بمنتهى الهدوء وحسن الأدب، محاولا أن يهدئ روع موسى، ويحرك في قلبه نحوه شعور الأخوة والعطف، معللا بقاءه بين ظهراني بني إسرائيل في انتظار عودة موسى من الطور ليرى فيهم رأيه بخوفه على وحدتهم من الفرقة والشتات، وكأنه كان يتنبأ بما سينالهم من شتات في أطراف الأرض، وذلك ما حكاه عنه كتاب الله قائلا لأخيه وهو يتوسل إليه بصلة الرحم:{قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.
لكن كتاب الله أعفى هارون من كل مسؤولية في هذا الانحراف الخطير الذي انزلق إليه بنو إسرائيل، وذلك قوله تعالى حكاية عنه فيما سبق:{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي}. وبهذا الخطاب الذي وجهه إليهم هارون أراد أن يعرفهم بأن ما وقعوا فيه ليس إلا فتنة من جملة الفتن، التي لا ينبغي أن تصرف الناس عن عبادة الواحد الأحد إلى عبادة الأوثان، وبأن الرب الحقيقي الذي يستحق أن يعبد دون سواه هو (الرحمن) الرحيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وطالبهم باتباع دينه الذي هو دين موسى دون خروج