وقد لاحظنا في الربع الماضي أنه بمجرد ما انتهى كتاب الله من (حديث موسى) عاد إلى نقطة الانطلاق التي مهدت لذلك الحديث، فقال تعالى:{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}. وهكذا عاد كتاب الله إلى التنويه بالذكر الحكيم، وجدد الدعوة إلى الإقبال عليه واتباع هديه القويم، وبين ما يؤدي إليه ترك العمل به من الأوزار والآثام، وما يتعرض له المعرضون عنه من العقوبات الجسام. وزاد كتاب الله هذا المعنى توكيدا وتوضيحا، فقال تعالى في هذا الربع:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}. وواضح ما لهذه الآية الكريمة من ارتباط وثيق بقوله تعالى في مطلع السورة:{إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} فهي كما يقال " عود على بدء ". ومعنى لفظ " التذكرة " الوارد هناك هو نفس معنى (الذكر) الوارد في قوله تعالى: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} في هذا الربع، فكلاهما يؤدي في هذا السياق معنى العظة والتدبر والاعتبار.
وبمناسبة الحديث عن رسالة القرآن وأثرها العظيم في الحياة، لفت كتاب الله نظر رسوله إلى ما ينبغي أن يكون عليه من التأني والتثبت عند تلقي القرآن واستذكار مبانيه، وما ينبغي أن يتطلع إليه من مزيد العلم والفهم لاستيعاب معانيه، فقال تعالى خطابا لرسوله {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.