وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ}.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى}[النساء: ٧٧].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول: كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة؟ فيقول قائلهم: قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم: قضينا يوما واحدا {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ