فقوله تعالى هناك:{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} يتضمن إنذار المشركين والكافرين وتهديدهم بما ينتظرهم في دار الجزاء من عذاب وشقاء، وقوله هنا:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} استمرار في نفس التهديد والإنذار، الموجهين من قبل إلى المشركين والكفار.
وبما أن " سورة الأنبياء " سورة مكية، والشأن في السورة المكية على العموم حسبما دل عليه الاستقراء أن تعنى قبل كل شيء بالدعامة الأولى للدين، وهي (العقيدة) بكل ما تتضمنه من توحيد ونبوة وساعة وبعث، فقد تركز الحديث في هذه السورة حول نفس الموضوع، وتخلل هذا الحديث وصف السنن الإلهية، والنواميس الكونية، التي يسير الكون بمقتضاها سيرا محكما منظما، مما هو برهان ناطق على وحدانية الله، وعنوان صادق على قدرته وحكمته.
وقبل أن نواصل تفسير الآيات البينات الواردة في هذه السورة، نرى من المفيد أن نعطي فكرة ولو مختصرة عن " الطريقة القرآنية " في معرفة وجود الخالق، التي نبه كتاب الله عليها، ودعا كل من أراد معرفة وجوده إليها، وذلك طبقا لما حققه فقيه المغرب والأندلس وحكيم الإسلام أبو الوليد الحفيد ابن رشد في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة)، فقد اهتدى رحمه الله عن طريق استقراء الكتاب العزيز، إلى أن " الطريقة القرآنية " في هذا المجال تنحصر في نوعين اثنين: