يقول الله تعالى ردا على منكري البعث:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}، فالمراد باقتراب الحساب اقتراب وقته، ومن أجل هذا الاقتراب ينبغي لعقلاء الناس أن يعدوا العدة ويتأهبوا ليوم الحساب، حتى لا يرجعوا من الغنيمة بالإياب، وبنفس المعنى جاء قوله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر: ١]، والقرب والبعد أمران نسبيان، فقد يكون قرب يوم الحساب، بالنسبة إلى علم الله وتقديره، على حد قوله تعالى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج: ٤٧]، وقد يكون قرب يوم الحساب، بالنسبة لبقاء العالم، على اعتبار أن ما بقي من مدته أقصر مما مضى، على حد قوله صلى الله عليه وسلم:" بعثت أنا والساعة كهاتين ". ومهما يكن من أمر فإن كل ما هو آت قريب، وإن طال انتظاره قرونا وأجيالا.
يقول الله تعالى نعيا على الغافلين اللاهين:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}، والمراد بالذكر هنا كتاب الله، ووصفه (بالمحدث) يصدق بمعنيين اثنين: المعنى الأول أن القرآن إنما أنزل منجما سورة بعد سورة، وآية بعد آية، فكان نزوله يتجدد من وقت لآخر، ولم ينزل دفعة واحدة كما هو معلوم، على حد قوله تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}[الإسراء: ١٠٦]. والمعنى الثاني أن القرآن هو أحدث الكتب الإلهية نزولا وخاتمها بالمرة، على حد قول ابن عباس فيما روى عنه البخاري:" وكتابكم أحدث الكتب بالله، تقرأونه محضا لم يشب ".