لا يكاد يتعرف على قطرات مائه، أو هي كحصاة في رمال صحراء، وساكن الصحراء لا يكاد يتعرف على حصوات رماله، وهذا الكون بسمائه وأرضه، على اختلاف أشيائه وتباعد أشيائه شيء واحد، أبدعه مبدع واحد، وأجراه مجر واحد، ونسق بين سننه منسق واحد، وهندسه مهندس واحد ".
وعليه فالإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض، مطالب من ربه بالنظر في عالم الملك والملكوت، مسؤول عن تقصيره في هذا النظر، لأنه بتقصيره فيه يكون عاصيا لله، جاهلا أو متجاهلا لحكمة الله، إذ لا عذر له يعتذر به في هذا الصدد، بعدما أمده الله بكل ما يلزمه للنظر، من أدوات ومدد، وحول هذا المعنى يدور قول الله تعالى في هذا الربع:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}.
ويفهم من " الرتق والفتق " الواردين في الآية الأولى أن الجميع كان في بدء الخلق متصلا بعضه ببعض، متراكما بعضه فوق بعض، ثم وقع الفتق والفرق، وفصلت السماوات عن الأرض بأمر الملك الحق. قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة: " يعني أنهما كانا شيئا واحدا ملتزقتين، ففصل الله بينهما بالهواء " وروى ابن أبي حاتم في كتابه عن ابن عباس أنه قال: " كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما