" وفي قوله - ولئن مستهم نفحة - ثلاث مبالغات، لفظ المس، وما في مدلول النفح من القلة، وبناء المرة منه، فالمعنى أنه بأدنى إصابة من أقل العذاب أذعنوا وخضعوا، وأروا بأن سبب ذلك ظلمهم السابق ".
ويسجل كتاب الله في هذا المقام ما يقوم عليه حساب الخلق وجزاؤهم عند الله، من مبالغة في العدل التام، دون أي اعتبار خارج عن حدود الطاعة والعصيان، مما يؤثر غالبا في عدالة الإنسان، وذلك قوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.
وخُتِم هذا الربع بالتنويه برسالة موسى وهارون، ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، وبهذه المناسبة حدد كتاب الله الصفات الجوهرية التي خص الله بها وحيه الإلهي المنزل على أنبيائه ورسله، وهذه الصفات تتلخص في أن الوحي الإلهي (فرقان) يفرق به الناس بين الحق والباطل، و (ضياء) يضيء عقولهم وقلوبهم فيخرجهم من الظلمات إلى النور، و (ذكر) تخشع له الجوارح وتطمئن به القلوب، و (بركة) تنمو بها الإنسانية وتزدهر دينا ودنيا، روحا ومادة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ * وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}.