عن مجرى سنن الله في الأرض، وأنه قد يمهل الظالمين، حتى إذا ما حان مصرعهم لم يفلتهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وذلك قوله تعالى هنا:{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ}. والنقص من أطرافها يصدق بالنقص من الأموال والأنفس والثمرات، كما يصدق بالاستئصال والإبادة، والاستعباد وفقدان الحريات، وهكذا يصبح الطاغية مستضعفا، وينقلب الغالب مغلوبا. ومن ذلك أيضا تقلص اليابسة والخضرة أمام زحف البحار والصحارى.
ويجدد كتاب الله الدعوة إلى الخلق أجمعين، مبينا لهم ما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين، من هدايتهم إلى الله، وإنذارهم سوء العاقبة حتى لا يحل عليهم غضب الله، داعيا إياهم إلى أن يسمعوا ويعوا، حتى يهتدوا وينتفعوا، وذلك قوله تعالى هنا:{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ}، فالله تعالى هو الذي ينذرهم، والرسول إنما يبلغهم {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: ٢، ٣، ٤].
ويذكر كتاب الله ما يصيب الظالمين الذين كانوا يستعجلون العذاب، من هلع وجزع، بمجرد ما يتعرضون لأقل امتحان، إذ ينزل بهم من الحسرة والندم والانهيار ما لم يكن في الحسبان، وذلك قوله تعالى هنا:{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}، و (النفحة) في قوله تعالى " نفحة من عذاب " هي الدفعة اليسيرة منه، قال أبو حيان في تفسيره: