وما دام محور الحديث الرئيسي في هذه السورة هو موضوع " العقيدة " التي هي أصل الدين وأساسه، فإن قصة إبراهيم مع قومه يجب أن تحتل الصدارة في هذا الميدان، وذلك هو ما تصدى له كتاب الله هنا بالشرح والبيان، إذ إن اسم (إبراهيم) أصبح منذ قرون طويلة، وفي جميع الأديان الكتابية، رمزا إلى مكافحة الوثنية، ومجابهة الشرك، وإعلان التوحيد ونشره بين الناس، حتى إنه ليعتبر بحق (إمام الموحدين)، مصداقا لقوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}.
وقبل أن يتولى كتاب الله في هذا الربع وصف ما دار بين إبراهيم وأبيه وقومه من حوار وصراع حول عقيدة التوحيد التي اهتدى إليها، ومعتقدات الشرك التي تلقوها أبا عن جد، أوجز القول في وصف مزايا إبراهيم، وما آتاه الله من رشد بلغ الغاية القصوى، عندما اختاره رسولا خليلا قبل موسى وهارون، فقال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ولولا ما ألهمه الله من رشد وثبات، وآتاه من حكمة وحجة بالغة، لما استطاع أن يواجه بمفرده مشركي قومه، على كثرة عددهم وقوتهم، وأن يفوز عليهم في الرهان، ويغلبهم بالحجة والبرهان.
ثم شرع كتاب الله يفصل المحاورة التي دارت بين إبراهيم وأبيه وقومه على الوجه الآتي:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}.