للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن هذه المقالة يتجلى أولا حرص إبراهيم الخليل بشكل خاص، على انتشال أبيه قبل غيره من حضيض الشرك، لما بين الأب والابن من علاقة خاصة لا تقوى قوتها بقية العلاقات، وفي نفس الوقت اهتم إبراهيم بانتشال بقية قومه من نفس الهوة التي تردوا فيها جميعا، وهذا الاتجاه الرامي إلى إنقاذ العشيرة الأقربين من الضلال قبل غيرهم أكده كتاب الله في خطابه لخاتم الرسل، إذ قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤].

ومن هذه المقالة يتجلى ثانيا رشد إبراهيم عليه السلام، وحذره من إلقاء الكلام على عواهنه، ولذلك لم يطلق على الأصنام التي كان يعبدها أبوه وقومه اسم (الآلهة) كما كانوا يعبرون عنها، وإنما أطلق عليها مجرد لفظ (التماثيل)، والتمثال اسم موضوع للشيء المصنوع باليد، الممثل بغيره، أي المشبه به، تقول مثلث الشيء بالشيء، إذا شبهته به، قال أبو حيان: " وفي قوله (ما هذه التماثيل)، تحقير لها، وتصغير لشأنها، مع علمه بتعظيمهم لها. وفي خطابه لهم بقوله (أنتم) استهانة بهم، وتوقيف على سوء صنيعهم ". وهكذا استنكر إبراهيم عكوفهم على عبادة الأصنام، وملازمتهم لتعظيمها دون نفع ولا جدوى.

ويحكي كتاب الله جواب قومه إذ يقول: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}، وليس في هذا الجواب أدنى حجة أو إقناع، وإنما مرده إلى التقليد الأعمى ومجرد الاتباع، فيرد عليهم إبراهيم قائلا: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وبهذا الرد يطعن في حجتهم، ويصم بالضلال قومه عن بكرة

<<  <  ج: ص:  >  >>