أبيهم، وهنا تتجلى معالم " الفتوة " التي امتاز بها إبراهيم عليه السلام، من جرأته في نصرة الحق، ومهاجمته للباطل، وتحديه للتقاليد البالية، مهما كلفه ذلك من التضحيات الغالية، ولا يلبث قومه أن يسألوه مستفسرين وهم مترددون:{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} يريدون أن يعرفوا هل هو جاد فيما يقول، أم أن كلامه مجرد لعب وهزل،
لكن إبراهيم ينفي هذا الاحتمال، ويرفع في الحين كل إشكال، {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، وبهذا أفهم قومه أن الإله الوحيد الذي يجب أن يعبدوه هو رب السماوات والأرض الذي خلقهن، فهو ربهم الحق وحده لا شريك له، وزكى هذه الدعوى بشهادته عليها، إذ هو رسول الله وخليل الرحمن، وكفى بشهادته حجة وبرهانا، على غرار قوله تعالى في سورة آل عمران:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[الآية: ١٨]، فلفظ {الشَّاهِدِينَ} في هذه الآية مأخوذ من (الشهادة) بمعناها المعروف، لا من (المشاهدة) بمعنى مجرد الرؤية والحضور.
ويفكر إبراهيم في وسيلة فعالة توقظ قومه، وتثير انتباههم، وتقنعهم بأن عبادة الأصنام لا جدوى لها ولا فائدة منها، لأن الأصنام لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، بل هي أضعف من الضعف، وأعجز من العجز، فيعقد العزم على إهانتها، مقسما على ذلك بالله العظيم، ويحدث نفسه قائلا:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}، ثم لا يلبث أن ينتهز فرصة